رحلات الحب والزواج للشباب العربي في بريطانيا إذا كان للندن كورنيش للعشاق والشباب لقضاء أوقات رومانسية فهو في الأغلب مجمع "وايتليز" للتسوق في منطقة "كوينزواي" في وسط العاصمة البريطانية، وهي منطقة لها شعبية كبيرة بين السياح والمقيمين، وخصوصا العرب. كانت فكرة وليام وايتلي عندما افتتح المجمع قبل أكثر من مائة وخمسين عاما جذب جميع أصناف السلع والبشر ليكون متجره الأكبر في لندن. وبمرور الزمن توسع المتجر، وبعد ترميمه وافتتاحه في نهاية الثمانينيات بدأ يستقطب نحو ربع مليون زائر أسبوعيا، بينهم عدد كبير من العرب. رومانسية الزهور والعطور تجولت في المتجر فوجدته مثل بقية الكورنيشات له بائعة زهوره التي تعرف أذواق زبائنها جيدا.
دايانا بائعة الزهور المكسيكية تقول إن بعض الفتيات والفتيان الرومانسيين العرب، الذين يقبلون على شراء الورود منها، لهم أذواق خاصة، فهم يحبون مثلا باقات الزهور الكبيرة ذات الألوان الصارخة. وتتراوح أسعار الأزهار التي يشتريها الشباب العرب من ثلاثة جنيهات إسترليني للوردة الواحدة إلى باقة بمئة جنيه. ومن الزهور تأتي العطور، وعلى مقربة من محل بيع الزهور التقيت بطارق، وهو شاب عراقي يبيع العطور، وحدثني عن آخر الصيحات في عالم العطور التي يفضلها الشباب العرب فقال: "النساء العربيات يشترين للخطيب أو للصديق، وأكثر العطور التي لها شعبية بين الشباب العرب وتصلح للعلاقات الرومانسية هي هوغو بوس أو شانيل أو عطر رومانس. ولا يشتري الشباب العربي عطورا غالية الثمن". اصوات الشباب وبعيدا عن مقومات الرومانسية التقليدية، عن ماذا يبحث الشباب العربي والمسلم في بريطانيا حقا في مواصفات شريك الحياة؟. تجولتُ في مجمع "وايتليز" لاستمع إلى آرائهم.
التقيت بصفاء وهي طالبة صومالية كانت تشرب القهوة مع صديقتها. وتعتقد صفاء أن الشباب العربي والمسلم في لندن لديه ازدواج بالشخصية خصوصا عندما يقيم في الدول الغربية، وانه يسمح لنفسه ما لا يسمح به للفتاة من بلده. وأكدت أن أهم شيء تبحث عنه في شريك الحياة هو أن يكون "مسؤولا وأخلاقه حسنة". في الوقت الذي تبحث فيه صفاء عن الأخلاق في شريك حياتها، فأن داني، وهو شاب لبناني، له اولويات أخرى في شريكة حياته، وهو لا يتردد في الإفصاح عنها. يقول داني "بالنسبة لي من الضروري أن تكون الفتاة حلوة، لأن البنت التي أود أن ارتبط بها ارغب أن تنجب لي نسلا حلوا، وسأرافقها واراها طول عمري، وأقول لها صباح الخير من قلبي وتصبحي على خير من قلبي." لا مانع لدى داني من أن تكون البنت أجنبية أو مسلمة أو عربية، لكن المهم أن تكون حسب تعبيره "امرأة يجي رأسها على رأسي وبتحبني ..وبس". شباب عربي متعدد الثقافات وفي مناطق أخرى في العاصمة البريطانية، التي تعتبر من أكثر العواصم الأوربية تعددا في الثقافات والأعراق، التقيت بجيل جديد من الشباب العربي الذي اتيحت له الفرصة لكي يرى من نوافذ ثقافية وحضارية مختلفة.
التقيت بنور، وهي فتاة عربية تعمل في قسم التسويق والدعاية في إحدى المستشفيات، عرفتني بنفسها بهذا المزيج من الدول والثقافات: "أمي سورية من حلب وأبي مصري من القاهرة، ولدت في لندن، ودرست في مدرسة ليسيه فرانسيس شارل ديغول الفرنسية في لندن، وقبل ذلك كنت في مدرسة داخلية في سويسرا، ودرست الجامعة في أسبانيا وفي سويسرا، وعندي شهادة بكالوريوس باللغات والسياسة والاقتصاد وعندي ماجستير في القانون الدولي والسياسة الدولية والدراسات الدبلوماسية." وتضيف نور دولة أخرى لرحلة حياتها حين تعرفت، عبر صديقة لها في العمل، على فتى أحلامها زيد، وهو سويدي من اصل عراقي ومقيم في مدينة غوتنبرغ. نور حالفها الحظ وتعرفت على زيد. لكن حسن، الباحث العراقي في علم الجينات والبيولوجي في جامعة امبريال كوليدج، ما زال يبحث عن فتاته. يود حسن أن تكون فتاته عربية، ويشرح قائلا: "الفتاة العربية بشكل عام جميلة جدا. لكن الصعوبة هي أن يلاقي الشخص بنت عربية لديها الخليط، ما بين الشخصية الجذابة والشكل الجذاب بنفس الوقت."
لكنه يقول أن التعارف مع الفتيات العربيات فيه نوع من الصعوبة بسبب عدم توفرهن في مجال عمله ونمط حياته عدا أحيانا في الحفلات والأعراس مع عائلته، لكنها تكون عادة لقاءات مدبرة و"خالية من العفوية". "الشيخ" أبونا شفيق البحث عن شريك الحياة عملية ليست سهلة داخل العالم العربي وتزداد صعوبتها في خارجه، الأمر الذي أكده لي العديد من الشباب والشابات في لندن، والبعض منهم يحتاج إلى مساعدة في عملية البحث، وهذا بالضبط ما يفعله شخص عربي سمعت عنه الكثير من أحاديثي مع الشباب في لندن، فمن هو؟ جورج ميكانيكي سيارات يقول: "يوجد في لندن خوري عند الكاثوليك، اسمه أبونا شفيق في الكنيسة اللبنانية يقوم بتنظيم حفلات للشباب والصبايا اللبنانيات. يدعوهم الى حفلات ومطاعم من اجل التعارف، ولا فرق عنده بين المسيحي والمسلم والدرزي. وحصلت حالات زواج آخرها قبل عدة اشهر".
أثار كلامه فضولي فبحثت عن شفيق أبو زيد، أو أبونا شفيق كما هو معروف في لندن، ووجدته في طريقه للمطار لقضاء عطلة الصيف في بلدته في جنوب لبنان. قال انه بدأ بهذه النشاطات منذ نهاية الثمانينيات في البداية لتسهيل التعارف بين الشبان العرب من اجل الزواج ثم تطور الأمر ليشمل تسهيل لقاءات عائلية في الأعياد والمناسبات. وأضاف "في البداية بدأت للشبييبة فقط، العزاب منهم، اجمعهم في سهرات بسيطة بدون ربح مطلقا، اذ يدفعون تكاليف الأكل والشرب فقط. وكانت الشروط من البداية هي أننا تجمع غير ديني، رغم كوني كاهنا. أي إنسان يستطيع المشاركة، تجمع عربي بشكل عام فيه اللبناني والسوري والمسلم والمسيحي وحتى أحيانا اللامبالين دينيا والمؤمنين كثيرا".
أما سمر، الفتاة العراقية التي تعيش وتعمل في لندن، فلم تكن بحاجة إلى مساعدة أبونا شفيق، أو أبونا "الشيخ" شفيق كما قال عنه احد الشباب، للتعرف على خطيبها وسام، فقد تعرفت عليه مثل الكثير من الشباب العرب عبر الأقارب والأصدقاء. وحدثتني سمر عن "سهرة لا تنسى" وهي تشاهد شريط فيديو حفلة خطبتها التي جرت مؤخرا في فندق "دورجيستر" الفخم في لندن، أحياها مغنون وراقصة حتى الصباح. وأضافت "اعتبر نفسي محظوظة لأنني ووسام انسجمنا كما لو كنا نعرف بعضنا بعضا منذ زمن". وتبقى مسألة كيف وأين يلتقي الشاب او الشابة العربية بشريك الحياة في الغربة مشكلة للشباب ولذويهم، سواء كانت تتم عبر الاهل او الاصدقاء او الانترنت أو تأتي بالصدفة الخالصة. ويظل الجميع تواقاً لإيجاد شريك ينسجم معه وكأنه يعرفه منذ زمن بعيد، كما قالت سمر.